همس اليقين..
2 مشترك
•(-•♥₪.::شــواطئ الأحـلام::.₪♥•-)• :: •(-•♥₪.::مكتبة الشواطئ الالكترونية::.₪♥•-)• :: •(-•♥مكتبة القصص♥•-)•
صفحة 1 من اصل 1
همس اليقين..
يده تمتد لتشعل سيجارة، كي تليها أخرى بعد أن تحترق.. هذا ما تبقى في الذاكرة، الأقدام ما عاد يسمع وقعها، حتى العلبة صارت تبدو فارغة ومظلمة كالدياجير.. الليل كأنما به لا يريد أن ينتهي، والمكان من وحشته صار نفقا طويلا عشش فيه الظلام. وليس من شيء غير الصمت يوشك أن يتحدث.. وكأنه يتحاور فيما بينه ويهمس: كل الذين هنا قد جاءوا من هناك. لم يدرك شيئا وقتها ولم يعرف حتى نفسه، وراح يحاول أن يتذكر شيئا ما، والصمت في أعماقه يهمس.. كل الذين هنا قد جاءوا من هناك.. كانوا يجلسون قرب جدار وكأن به يريد أن ينقض، قال أحدهم أتذكرون هذا المكان.. نظروا إليه وقد خيم الصمت على أفواههم برهة، وكأنه قد استجمع ذكرياتهم جميعها وطوقها بالسكون.. خلف الجدار كانت هنالك مقبرة، مروا إليها ذات مساء يحملون أحدهم على أكتافهم، وبعد الدفن جلسوا قرب الجدار- قال إن حالنا أفضل من حالهم.. ثم قاموا ليمضوا -...
في الجهة الأخرى كان النهار يحتل معظم الليل، والضجيج في كل مكان. الحياة كانت تبدو عادية جدا وكأن شيئا لم يكن. داخل المقهى كانوا يجلسون يتبادلون أطراف الحديث. المقبرة كانت تبدو لهم من بعيد كالأطلال، قال أحدهم إن حالنا أفضل من حالهم.. ومن فوقهم باغتتهم طائرة مخيفة فقصفت المكان ومضت كالسراب. الحرب وقتها لم تكن قد هدأت إلا بضع أيام قليلة. الصمت لا يزال يشد أفواههم والذكريات يلفها السكون.. في المسجد صلوا عليه صلاة الجنازة، في الجهة المقابلة من الطريق كانت العمارة قد ازدحمت بالسكان.. الشتاء كان في أوج هيجانه فهبت ريح عاتية خلفت الناس وراءها صرعى، والمئذنة قد هوت فوق العمارة كأنها جذع نخلة خاوية.
خرجوا من المسجد وبعضهم متجها نحو المقبرة، خلفها كانت الطريق تؤدي إلى المدينة وهي تحفها أشجار التوت الخضراء.. مر من هنالك عرس بهيج، وأزيز السيارات يخترق هدوء المكان وزغاريد النساء تعانق طلقات البنادق. كان في أوج سعادته، وكانت تعيش حلمها الأبدي، نظر إلى عروسه وقال في غرور: أليس حالنا أفضل من حالهم.. قالت بلى وثغرها يريد أن يبتسم.. مر القطار محملا بالبضائع والسلع، كانت السيارة التي تقل العريسين قد تعطلت فوق السكة الحديدية فشطرها إلى نصفين، وثغرها لم يعد ليبتسم. وبعد الحادث حولوا الطريق التي كانت تؤدي إلى المدينة، وشيدوا لها جسرا لتمر فوق أحد الوديان.
قبل سنين كان المسجد العتيق معلما من معالم المدينة، لقد غيروا شكله عن آخره.. قال أحد المهندسين: المئذنة الجديدة سوف تسقط إن هبت ريح قوية لا محالة. لم يأبه أحد لكلامه، وقال الذين غلبوا على أمرهم لتحمينها ملائكة الرحمان بإذنه.
الجو كان ممطرا والرؤية تبدو رديئة، لم تكن السيارة مسرعة في جنون. لقد كان يسوقها في هدوء، ولكن الماء قد طغى، والجسر كان قد تآكل منذ شهور، فانهار به عمق الوادي السحيق.
في إحدى الجرائد قرأ ما يلي: توجد مقبرة، وفي الجهة المقابلة هنالك مقهى.. قال أحدهم المكان هنا أفضل من هناك، في نفس الوقت رد أهل المقبرة في صمتهم ـ كل الذين هنا قد جاءوا من هناك ـ ترك الجريدة في المقهى ومضى يبحث عن نفسه..
كانوا يحملونه على أكتافهم.. جلسوا بعد الدفن قرب جدار وكأن به يريد أن ينقض، قال أحدهم أتذكرون هذا المكان.. نظروا إليه وقد خيم الصمت على أفواههم برهة وكأنه قد استجمع ذكرياتهم جميعها وطوقها بالسكون.. قطع عليهم صمتهم قائلا إن حالنا أفضل من حالهم.. فقاموا ليمضوا.. ومن تحتهم رجفت الأرض رجفة، فخر من فوقهم الجدار حتى استوى عليهم..
في قلب المدينة كانت أمه تتألم، المخاض كان عسيرا جدا. ولكنه في الأخير طل بصرخاته إلى الحياة.
يده ما عادت تمتد لتشعل سيجارة، العلبة صارت ديجورا تعتم فيه الظلام، هنا الليل لا ينتهي.. الصمت وحده يتحاور فيما بينه ويهمس.. كل الذين هنا قد جاءوا من هناك...
_________________
في الجهة الأخرى كان النهار يحتل معظم الليل، والضجيج في كل مكان. الحياة كانت تبدو عادية جدا وكأن شيئا لم يكن. داخل المقهى كانوا يجلسون يتبادلون أطراف الحديث. المقبرة كانت تبدو لهم من بعيد كالأطلال، قال أحدهم إن حالنا أفضل من حالهم.. ومن فوقهم باغتتهم طائرة مخيفة فقصفت المكان ومضت كالسراب. الحرب وقتها لم تكن قد هدأت إلا بضع أيام قليلة. الصمت لا يزال يشد أفواههم والذكريات يلفها السكون.. في المسجد صلوا عليه صلاة الجنازة، في الجهة المقابلة من الطريق كانت العمارة قد ازدحمت بالسكان.. الشتاء كان في أوج هيجانه فهبت ريح عاتية خلفت الناس وراءها صرعى، والمئذنة قد هوت فوق العمارة كأنها جذع نخلة خاوية.
خرجوا من المسجد وبعضهم متجها نحو المقبرة، خلفها كانت الطريق تؤدي إلى المدينة وهي تحفها أشجار التوت الخضراء.. مر من هنالك عرس بهيج، وأزيز السيارات يخترق هدوء المكان وزغاريد النساء تعانق طلقات البنادق. كان في أوج سعادته، وكانت تعيش حلمها الأبدي، نظر إلى عروسه وقال في غرور: أليس حالنا أفضل من حالهم.. قالت بلى وثغرها يريد أن يبتسم.. مر القطار محملا بالبضائع والسلع، كانت السيارة التي تقل العريسين قد تعطلت فوق السكة الحديدية فشطرها إلى نصفين، وثغرها لم يعد ليبتسم. وبعد الحادث حولوا الطريق التي كانت تؤدي إلى المدينة، وشيدوا لها جسرا لتمر فوق أحد الوديان.
قبل سنين كان المسجد العتيق معلما من معالم المدينة، لقد غيروا شكله عن آخره.. قال أحد المهندسين: المئذنة الجديدة سوف تسقط إن هبت ريح قوية لا محالة. لم يأبه أحد لكلامه، وقال الذين غلبوا على أمرهم لتحمينها ملائكة الرحمان بإذنه.
الجو كان ممطرا والرؤية تبدو رديئة، لم تكن السيارة مسرعة في جنون. لقد كان يسوقها في هدوء، ولكن الماء قد طغى، والجسر كان قد تآكل منذ شهور، فانهار به عمق الوادي السحيق.
في إحدى الجرائد قرأ ما يلي: توجد مقبرة، وفي الجهة المقابلة هنالك مقهى.. قال أحدهم المكان هنا أفضل من هناك، في نفس الوقت رد أهل المقبرة في صمتهم ـ كل الذين هنا قد جاءوا من هناك ـ ترك الجريدة في المقهى ومضى يبحث عن نفسه..
كانوا يحملونه على أكتافهم.. جلسوا بعد الدفن قرب جدار وكأن به يريد أن ينقض، قال أحدهم أتذكرون هذا المكان.. نظروا إليه وقد خيم الصمت على أفواههم برهة وكأنه قد استجمع ذكرياتهم جميعها وطوقها بالسكون.. قطع عليهم صمتهم قائلا إن حالنا أفضل من حالهم.. فقاموا ليمضوا.. ومن تحتهم رجفت الأرض رجفة، فخر من فوقهم الجدار حتى استوى عليهم..
في قلب المدينة كانت أمه تتألم، المخاض كان عسيرا جدا. ولكنه في الأخير طل بصرخاته إلى الحياة.
يده ما عادت تمتد لتشعل سيجارة، العلبة صارت ديجورا تعتم فيه الظلام، هنا الليل لا ينتهي.. الصمت وحده يتحاور فيما بينه ويهمس.. كل الذين هنا قد جاءوا من هناك...
_________________
أمير اليمين- بحار نشيط
- عدد الرسائل : 25
الجنسية : جزائرية
العمل : موظف
المزاج : متقلب
تاريخ التسجيل : 29/10/2008
رد: همس اليقين..
كل الذين هنا قد جاؤوا من هناك
وهم السابقون ونحن اللاحقون
هذه هي سنة الحياة
وما يدرينا بما بعد الموت ونحن ما زلنا أحياءً نرزق
ولكن يبقى لكل امرئ ما سعى
إن خيراً فخير وإن شراً فشر
اللهم أحسن خاتمتنا واجعلها على الإيمان
شكراً لقلمك الرائع أخي أمير
أن يضع بعضاً من بصماته في هذا المكان المتواضع
ألا إنه لشرف كبير
بانتظار جديدك دوماً
دمت بكل خير
وهم السابقون ونحن اللاحقون
هذه هي سنة الحياة
وما يدرينا بما بعد الموت ونحن ما زلنا أحياءً نرزق
ولكن يبقى لكل امرئ ما سعى
إن خيراً فخير وإن شراً فشر
اللهم أحسن خاتمتنا واجعلها على الإيمان
شكراً لقلمك الرائع أخي أمير
أن يضع بعضاً من بصماته في هذا المكان المتواضع
ألا إنه لشرف كبير
بانتظار جديدك دوماً
دمت بكل خير
•(-•♥₪.::شــواطئ الأحـلام::.₪♥•-)• :: •(-•♥₪.::مكتبة الشواطئ الالكترونية::.₪♥•-)• :: •(-•♥مكتبة القصص♥•-)•
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى