قصة قصيرة: وضاعت في الطريق..
2 مشترك
•(-•♥₪.::شــواطئ الأحـلام::.₪♥•-)• :: •(-•♥₪.::مكتبة الشواطئ الالكترونية::.₪♥•-)• :: •(-•♥مكتبة القصص♥•-)•
صفحة 1 من اصل 1
قصة قصيرة: وضاعت في الطريق..
إهداء: إلى امرأة أعطتني بعضا من الحب ثم رحلت (.. غرقت ..)
وهاقد خرجت أخيرا من الشارع، وقبل أن أعبر الطريق السريع، وصورنا القديمة تتمخض بداخلي في هيجان مميت، تركت قلبي ورائي ومضيت في شرود. ربما وأنا عمق هاته اللحظة التائهة بي راح القدر يطوي آخر أوراقي ووجدتني كالذي يسبح في الهواء، وجسدي كأنما تريد أن تنفصل عنه أجزاءه، فشعرت ولأول مرة أنني قد بدأت أتحرر من كل القيود، حتى منك ومن حبك الطاغي. ولكن شيئا ما يهمس عمق أعماقي وقد أوحى لي قبل ذلك بنفس هذا الهمس، أنني ما عاد بوسعي منذ اللحظة أن أسمعك، ولا حتى أن أسمعك ولو بعض كلامي. فافعل ما شئت إذا ما أنا قد ضاع العمر مني وتاه الكلام، وتذكر أنك من أورثني كل هذا الجنون.
رحت أتذكر كل أيامنا، والمسافة بيني وبين الأرض كأنما تأبى أن تتقلص. كان الحزن المرير يغمرني، وتعاسة تأرثت بداخلي ضرامها حتى استحالت عناصري كلها إلى رماد، حينما مررت قرب بيتكم، كان الجو حارا جدا والناس قد اكتظ بهم الشارع من كثرتهم، وزغاريد النساء تعم أرجاء الشارع الممتد طويلا كالنهر الجارف ورؤوس الحاضرين كأنها أسماك تطفو فوق سطحه. أحد منهم لم يدر أنني قد شيعت جنازتك وحدي، وجعلت من قلبي قبرا لحبك الذي لم يزل يحفر أخاديده فوق صدري، حتى تألمت من آلامي الأوجاع وملتني الأشواق التي عششت فيها أنفاسك الحارقة، وكأنك لم تبرح نهدي منذ اللقاء الأول. قبل ذلك، كان الشوق يدفعني إليك بجنون قاتل ولكني لم أجرؤ هذه المرة واكتفيت بالصمت والانتظار، لعلك إذا ما أنت تذكرت بعض أيامنا تحن إلي وترجع، ولكني بعدما استنفذت صبري كله، بدأت أشعر كأنك قد رحلت عني دون رجوع، كشعوري اللحظة بأن روحي سترحل عني قبل أن تصل جثتي الأرض، تماما كرحيلك عني، فنسيت نفسي وراحت تؤرقني تساؤلاتي عنك: كيف اتقيت النار في أحداقي وأعرضت عني كالتائب عن الذنوب..؟ حتى أني ما استطعت أن أوغل من جديد عمق قلبك ولا حتى أن أذرف دموعي المستعصية عمق أحداقي. بدأت أشعر بضيق حاد في صدري، وكأن شيئا ما يختلج بداخلي ويحاول الخروج عبر أنفاسي التي وجدت صعوبة شديدة في الولوج إلى رئتي أو حتى الخروج منها، فوجدتني مثل التائه بين الوهم والحقيقة وقد غشاني الهذيان فأحسست بنوع غريب من الغثيان. تداخلت الصور وتشابكت في مخيلتي، وبدأت تتسارع في التشكل والتمثل أمامي، وجثتي كأنما تطفو فوق ذرات الهواء. قبل ذلك وقبل أن تتمنع عمق أحداقي الدموع، ظننتك سوف لن تيئس مني وستتحدى حتى قلبي من أجل حبنا لتضمني إليك من جديد، وبأنك سوف لن تنسى تفاصيل وجهي، بل أقصد جسدي.. جسدي الذي صار يحملك عمق كل الخلايا التي تكونه. ولكن شاءت الأقدار أن تنتهي بنا مسافة العشق عند هذا الحد. فاستحال جسمي كله مدينة خاوية على عروشها، ترفض العيش فيها حتى الوحوش الكاسرة. أذكر جيدا حينما التقينا آخر مرة، نظرت إلي بعمق حزين وقلت: ألا تريدين أن تبدئي اليوم بالحديث ـ كيف لي أن أبدأ معك الحديث وأنت الشاعر لا أنا، فلا تنتقد أسلوبي في التعبير وأنت أدرى بي مني، أولم تكن أول من علمني حروف العشق، وكلام الحب والغرام، فاعذرني إذا ما أنا تاه الكلام مني، وانظم إذا شئت قصيدة من وحي هذا الهذيان ـ هكذا أجبتك حينما سألتني. قلت بأنك تتشوق لأن تسمعني، وأن أي كلام سأقوله سيفوق تغريد البلابل طربا.. وكلمات كثيرة كانت تجعلني شمعة تذوب في شوق وعنفوان. كان حديثك معي يجعلني لا أشعر إلا وكأنني أطير فوق السحاب دون أجنحة، وكان يشعرني أيضا بكثير من الخوف الغريب، وهاأنا في لحظة أجدني كالذي يسبح في الهواء، فينتابني ذاك الشعور نفسه. كم كان حديثك شجيا وأنت معي، وبالليل عندما أركن إلى مضجعي يؤرقني ذاك الحديث، فتساورني الكثير من الخيالات. تراك كنت تسهر مثلي تحسب ذرات الهواء وتعد الثواني التي تتباطأ في مسيرتها نحو الشروق، كما تتباطأ اللحظة جثتي في السقوط، وكأن الأرض التي كانت تأبى إلا أن تحملني فوقها وتجذبني إليها بقوة، كما كان يجذبني حبك إليك، قد تخلت عني هي الأخرى. هاهنا كنت تركن، وكنت تفرغ أحزانك، وأفراحك المتعبة، وأشياء أخرى كثيرة، وقبل أن تمضي كنت دائما تقسم لي بكل أنواع القسم التي أعرفها وحتى التي أجهل معناها ودموعنا تختلط كمياه البحر. حتى إذا ما احتوانا شكل التوحد ـ بأنك تستنشقني كالهواء وبأنني أسري عمق أفكارك كالدم في عروقك، وأن كل القصائد التي تكتبها تستلهم أفكارها من أعماق أحداقي. وكلام كثير لطالما أرهفت سمعي وهزت مشاعري أشواقه. وهاقد سكت الكلام أخيرا، وما عاد بوسعي أن أسمعك ولا حتى أن أحدثك عن أحلامي التي صنعتها يوما بداخلي, فأصبحت تنمو وتتوغل عمقي كجذور النخل، تمتد في تسارع عبر شراييني، تراك كنت حلما؟.. أو تراني أنا من استحال إلى سراب..!؟
رأيتك ذات مساء،كانت الشمس كهاته التي تدنو من فوقي،تتوسط كبد السماء وكأنها مح بيضة يوشك أن يسقط فوق الرؤوس، الربيع كان في بداية عطائه وقتها، وكنت مثله ساحر العينين، يغشاهما بعض الحزن العميق، كما تغشى الربيع بقايا الشتاء. ومرت الأيام بي وأنا في تلك المدينة وأصبحت أراك كل مرة، وفي كل مرة كنت أتعمد فيها أن أمر بقربك كي أراك، أو ربما لعلك تراني أنت، وأحداقك تبدو كأنما تحمل توت المدينة كله، وكأنك آخر الأشجار التي تبقت. فكم حدثوني عن أشجار التوت التي كانت تملأ كل الأمكنة والتي كانت رمزا للمدينة، وعندما جئتها لم أجد حتى بقاياها ولم أر إلا خيالها يسكن عينيك، مثلها تماما أصبحت في عيوني، حكاية جميلة جدا، ولكنها مؤلمة جدا أيضا، كانت فيما مضى تستوطن تضاريسي، واقتلعوك مني.. لست أدري من هم؟ربما كنت أنا.. أنا التي قتلتك بكبريائي وخوفي، عندما ضيعني الطريق إليك، وعندما تاه الكلام مني فأصبحت أهذي... ليتك لا تلمني، فأنا التائهة بينك وبيني، فلعلك تذكر بعض أيامنا فتدرك أنك أورثتني كل الجنون، واستنفذت مني أنوثتي التي لم أكن لأفهم سرها لولا حبك الطاغي كالطوفان في قلبي، لمن أمنح بعدك اليوم نفسي، إذا ما كان للعمر بقية.! وليس في الأرض غيرك يسكنها، أو تراني أصبحت مثلك مثل أشجار التوت، وهما قديمة جدا حكاياته. ما قتلوك ولا دفنوك ولا حتى شيعوا جنازتك معي، ولكن كثرة ما أوغلوه من كلام في صدري وغيابك الأخير عني، وأنا أحتسي مرارة ضعفي وقسوة قدري، أماتك عنوة، دون أن أدري. وقتها كنت في أمس الحاجة إليك، لعلك تحيطني بشيء من الدفء والأمان، وكم تعودت ذلك منك، ولكني شعرت كأنك ولأول مرة منذ عرفتك تتخلى عني، أو توشك أن تفعل. فبدأت أرغم نفسي على أن أتناساك حتى أنساك رغم شوقي إليك وجنوني، كان لابد لي وأن أتحرر منك ومن كل تلك القيود عذبة التعذيب التي كنت تلفني بها، كان لابد وأن أتخلص من سحرك اللامتناهي، وأرسم لي طريقا آخر غير الذي قادني إليك، وأقتلعك مني تماما كما اقتلعوا تلك الأشجار من مدينتكم، ولكني هل أخطأت مثلهم بعدما فعلت.!؟ ورفضت عودتك. ربما كبريائي، أو ربما ضياعي ولد بداخلي ذلك الرفض الرابض عمق أشواقي التي لا تزال تحن إليك. وتحن حتى إلى سجائرك التي كانت تحرق في صدري أنفاسك وتحرق في صدرك أنفاسي، حتى عودتني أن أعشقها مثلما عشقتك.
حينما مررت عبر الشارع الممتد طويلا كالنهر الجارف ورؤوس الناس تبدو كأسماك تطفو فوق سطحه، أدركت ـ وزغاريد النساء تملأ سماء الشارع، وقد شيعت جنازتك وحدي وجعلت لروحك من قلبي متكأ تنام فيه إلى الأبد ـ بأنك قد احتوتك أحداق امرأة أخرى فاستوطنت قلبها وبأنني ما عاد بوسعي اليوم أن أسمعك، ولا حتى أن أسمعك ولو بعض كلامي، فرميت قلبي ورائي ومضيت في شرود. ربما راح القدر يطوي آخر ما تبقى من أوراقي، فهاأنا في هذه اللحظة بالذات وقبل أن أعبر الطريق، وبمجرد ما لمحتها بطرفي باغتتني فجأة بأسرع من أن تتوقف في لحظة أو أن تتحاشاني، فكان الاصطدام عنيفا جدا، ووجدتني كمن يسبح في الهواء، و رغبة في التقيؤ تنتابني. ربما كان الشارع يرقبني كل من فيه؟ ربما حاول أحدهم أن ينقذني؟ ولكنني لم أكترث، وانتظرت لعلك من خلف الزحام تأتي، أو من خلال نوافذكم.. أو من تحت الأرض يعرج طيفك كي يحملني. ولكن السيارة كانت أسرع من أن ينقذني أحدهم وأسرع حتى من طيفك وخطواتي الشاردة أبطأ من أن تتفاداها في لحظة. فوجدتني وأنا كالتائه بين الوهم والحقيقة والمسافة تأبى أن تتقلص بين الأرض وجثتي، كما تأبى مسافة العشق أن توحد قلبينا، أشتاق إليك بجنون. فافعل ما شئت إني ربما قد ضاع العمر مني..! فنسيت نفسي. وتذكرت كيف ضيعني الطريق إليك...
_________________
اليميبن أمير من هواة الأدب العربي مهتم بالقصة القصيرة .
وهاقد خرجت أخيرا من الشارع، وقبل أن أعبر الطريق السريع، وصورنا القديمة تتمخض بداخلي في هيجان مميت، تركت قلبي ورائي ومضيت في شرود. ربما وأنا عمق هاته اللحظة التائهة بي راح القدر يطوي آخر أوراقي ووجدتني كالذي يسبح في الهواء، وجسدي كأنما تريد أن تنفصل عنه أجزاءه، فشعرت ولأول مرة أنني قد بدأت أتحرر من كل القيود، حتى منك ومن حبك الطاغي. ولكن شيئا ما يهمس عمق أعماقي وقد أوحى لي قبل ذلك بنفس هذا الهمس، أنني ما عاد بوسعي منذ اللحظة أن أسمعك، ولا حتى أن أسمعك ولو بعض كلامي. فافعل ما شئت إذا ما أنا قد ضاع العمر مني وتاه الكلام، وتذكر أنك من أورثني كل هذا الجنون.
رحت أتذكر كل أيامنا، والمسافة بيني وبين الأرض كأنما تأبى أن تتقلص. كان الحزن المرير يغمرني، وتعاسة تأرثت بداخلي ضرامها حتى استحالت عناصري كلها إلى رماد، حينما مررت قرب بيتكم، كان الجو حارا جدا والناس قد اكتظ بهم الشارع من كثرتهم، وزغاريد النساء تعم أرجاء الشارع الممتد طويلا كالنهر الجارف ورؤوس الحاضرين كأنها أسماك تطفو فوق سطحه. أحد منهم لم يدر أنني قد شيعت جنازتك وحدي، وجعلت من قلبي قبرا لحبك الذي لم يزل يحفر أخاديده فوق صدري، حتى تألمت من آلامي الأوجاع وملتني الأشواق التي عششت فيها أنفاسك الحارقة، وكأنك لم تبرح نهدي منذ اللقاء الأول. قبل ذلك، كان الشوق يدفعني إليك بجنون قاتل ولكني لم أجرؤ هذه المرة واكتفيت بالصمت والانتظار، لعلك إذا ما أنت تذكرت بعض أيامنا تحن إلي وترجع، ولكني بعدما استنفذت صبري كله، بدأت أشعر كأنك قد رحلت عني دون رجوع، كشعوري اللحظة بأن روحي سترحل عني قبل أن تصل جثتي الأرض، تماما كرحيلك عني، فنسيت نفسي وراحت تؤرقني تساؤلاتي عنك: كيف اتقيت النار في أحداقي وأعرضت عني كالتائب عن الذنوب..؟ حتى أني ما استطعت أن أوغل من جديد عمق قلبك ولا حتى أن أذرف دموعي المستعصية عمق أحداقي. بدأت أشعر بضيق حاد في صدري، وكأن شيئا ما يختلج بداخلي ويحاول الخروج عبر أنفاسي التي وجدت صعوبة شديدة في الولوج إلى رئتي أو حتى الخروج منها، فوجدتني مثل التائه بين الوهم والحقيقة وقد غشاني الهذيان فأحسست بنوع غريب من الغثيان. تداخلت الصور وتشابكت في مخيلتي، وبدأت تتسارع في التشكل والتمثل أمامي، وجثتي كأنما تطفو فوق ذرات الهواء. قبل ذلك وقبل أن تتمنع عمق أحداقي الدموع، ظننتك سوف لن تيئس مني وستتحدى حتى قلبي من أجل حبنا لتضمني إليك من جديد، وبأنك سوف لن تنسى تفاصيل وجهي، بل أقصد جسدي.. جسدي الذي صار يحملك عمق كل الخلايا التي تكونه. ولكن شاءت الأقدار أن تنتهي بنا مسافة العشق عند هذا الحد. فاستحال جسمي كله مدينة خاوية على عروشها، ترفض العيش فيها حتى الوحوش الكاسرة. أذكر جيدا حينما التقينا آخر مرة، نظرت إلي بعمق حزين وقلت: ألا تريدين أن تبدئي اليوم بالحديث ـ كيف لي أن أبدأ معك الحديث وأنت الشاعر لا أنا، فلا تنتقد أسلوبي في التعبير وأنت أدرى بي مني، أولم تكن أول من علمني حروف العشق، وكلام الحب والغرام، فاعذرني إذا ما أنا تاه الكلام مني، وانظم إذا شئت قصيدة من وحي هذا الهذيان ـ هكذا أجبتك حينما سألتني. قلت بأنك تتشوق لأن تسمعني، وأن أي كلام سأقوله سيفوق تغريد البلابل طربا.. وكلمات كثيرة كانت تجعلني شمعة تذوب في شوق وعنفوان. كان حديثك معي يجعلني لا أشعر إلا وكأنني أطير فوق السحاب دون أجنحة، وكان يشعرني أيضا بكثير من الخوف الغريب، وهاأنا في لحظة أجدني كالذي يسبح في الهواء، فينتابني ذاك الشعور نفسه. كم كان حديثك شجيا وأنت معي، وبالليل عندما أركن إلى مضجعي يؤرقني ذاك الحديث، فتساورني الكثير من الخيالات. تراك كنت تسهر مثلي تحسب ذرات الهواء وتعد الثواني التي تتباطأ في مسيرتها نحو الشروق، كما تتباطأ اللحظة جثتي في السقوط، وكأن الأرض التي كانت تأبى إلا أن تحملني فوقها وتجذبني إليها بقوة، كما كان يجذبني حبك إليك، قد تخلت عني هي الأخرى. هاهنا كنت تركن، وكنت تفرغ أحزانك، وأفراحك المتعبة، وأشياء أخرى كثيرة، وقبل أن تمضي كنت دائما تقسم لي بكل أنواع القسم التي أعرفها وحتى التي أجهل معناها ودموعنا تختلط كمياه البحر. حتى إذا ما احتوانا شكل التوحد ـ بأنك تستنشقني كالهواء وبأنني أسري عمق أفكارك كالدم في عروقك، وأن كل القصائد التي تكتبها تستلهم أفكارها من أعماق أحداقي. وكلام كثير لطالما أرهفت سمعي وهزت مشاعري أشواقه. وهاقد سكت الكلام أخيرا، وما عاد بوسعي أن أسمعك ولا حتى أن أحدثك عن أحلامي التي صنعتها يوما بداخلي, فأصبحت تنمو وتتوغل عمقي كجذور النخل، تمتد في تسارع عبر شراييني، تراك كنت حلما؟.. أو تراني أنا من استحال إلى سراب..!؟
رأيتك ذات مساء،كانت الشمس كهاته التي تدنو من فوقي،تتوسط كبد السماء وكأنها مح بيضة يوشك أن يسقط فوق الرؤوس، الربيع كان في بداية عطائه وقتها، وكنت مثله ساحر العينين، يغشاهما بعض الحزن العميق، كما تغشى الربيع بقايا الشتاء. ومرت الأيام بي وأنا في تلك المدينة وأصبحت أراك كل مرة، وفي كل مرة كنت أتعمد فيها أن أمر بقربك كي أراك، أو ربما لعلك تراني أنت، وأحداقك تبدو كأنما تحمل توت المدينة كله، وكأنك آخر الأشجار التي تبقت. فكم حدثوني عن أشجار التوت التي كانت تملأ كل الأمكنة والتي كانت رمزا للمدينة، وعندما جئتها لم أجد حتى بقاياها ولم أر إلا خيالها يسكن عينيك، مثلها تماما أصبحت في عيوني، حكاية جميلة جدا، ولكنها مؤلمة جدا أيضا، كانت فيما مضى تستوطن تضاريسي، واقتلعوك مني.. لست أدري من هم؟ربما كنت أنا.. أنا التي قتلتك بكبريائي وخوفي، عندما ضيعني الطريق إليك، وعندما تاه الكلام مني فأصبحت أهذي... ليتك لا تلمني، فأنا التائهة بينك وبيني، فلعلك تذكر بعض أيامنا فتدرك أنك أورثتني كل الجنون، واستنفذت مني أنوثتي التي لم أكن لأفهم سرها لولا حبك الطاغي كالطوفان في قلبي، لمن أمنح بعدك اليوم نفسي، إذا ما كان للعمر بقية.! وليس في الأرض غيرك يسكنها، أو تراني أصبحت مثلك مثل أشجار التوت، وهما قديمة جدا حكاياته. ما قتلوك ولا دفنوك ولا حتى شيعوا جنازتك معي، ولكن كثرة ما أوغلوه من كلام في صدري وغيابك الأخير عني، وأنا أحتسي مرارة ضعفي وقسوة قدري، أماتك عنوة، دون أن أدري. وقتها كنت في أمس الحاجة إليك، لعلك تحيطني بشيء من الدفء والأمان، وكم تعودت ذلك منك، ولكني شعرت كأنك ولأول مرة منذ عرفتك تتخلى عني، أو توشك أن تفعل. فبدأت أرغم نفسي على أن أتناساك حتى أنساك رغم شوقي إليك وجنوني، كان لابد لي وأن أتحرر منك ومن كل تلك القيود عذبة التعذيب التي كنت تلفني بها، كان لابد وأن أتخلص من سحرك اللامتناهي، وأرسم لي طريقا آخر غير الذي قادني إليك، وأقتلعك مني تماما كما اقتلعوا تلك الأشجار من مدينتكم، ولكني هل أخطأت مثلهم بعدما فعلت.!؟ ورفضت عودتك. ربما كبريائي، أو ربما ضياعي ولد بداخلي ذلك الرفض الرابض عمق أشواقي التي لا تزال تحن إليك. وتحن حتى إلى سجائرك التي كانت تحرق في صدري أنفاسك وتحرق في صدرك أنفاسي، حتى عودتني أن أعشقها مثلما عشقتك.
حينما مررت عبر الشارع الممتد طويلا كالنهر الجارف ورؤوس الناس تبدو كأسماك تطفو فوق سطحه، أدركت ـ وزغاريد النساء تملأ سماء الشارع، وقد شيعت جنازتك وحدي وجعلت لروحك من قلبي متكأ تنام فيه إلى الأبد ـ بأنك قد احتوتك أحداق امرأة أخرى فاستوطنت قلبها وبأنني ما عاد بوسعي اليوم أن أسمعك، ولا حتى أن أسمعك ولو بعض كلامي، فرميت قلبي ورائي ومضيت في شرود. ربما راح القدر يطوي آخر ما تبقى من أوراقي، فهاأنا في هذه اللحظة بالذات وقبل أن أعبر الطريق، وبمجرد ما لمحتها بطرفي باغتتني فجأة بأسرع من أن تتوقف في لحظة أو أن تتحاشاني، فكان الاصطدام عنيفا جدا، ووجدتني كمن يسبح في الهواء، و رغبة في التقيؤ تنتابني. ربما كان الشارع يرقبني كل من فيه؟ ربما حاول أحدهم أن ينقذني؟ ولكنني لم أكترث، وانتظرت لعلك من خلف الزحام تأتي، أو من خلال نوافذكم.. أو من تحت الأرض يعرج طيفك كي يحملني. ولكن السيارة كانت أسرع من أن ينقذني أحدهم وأسرع حتى من طيفك وخطواتي الشاردة أبطأ من أن تتفاداها في لحظة. فوجدتني وأنا كالتائه بين الوهم والحقيقة والمسافة تأبى أن تتقلص بين الأرض وجثتي، كما تأبى مسافة العشق أن توحد قلبينا، أشتاق إليك بجنون. فافعل ما شئت إني ربما قد ضاع العمر مني..! فنسيت نفسي. وتذكرت كيف ضيعني الطريق إليك...
_________________
اليميبن أمير من هواة الأدب العربي مهتم بالقصة القصيرة .
أمير اليمين- بحار نشيط
- عدد الرسائل : 25
الجنسية : جزائرية
العمل : موظف
المزاج : متقلب
تاريخ التسجيل : 29/10/2008
•(-•♥₪.::شــواطئ الأحـلام::.₪♥•-)• :: •(-•♥₪.::مكتبة الشواطئ الالكترونية::.₪♥•-)• :: •(-•♥مكتبة القصص♥•-)•
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى